samedi 4 janvier 2014

ليلة صيف في الجنة الرحبانية!

اتى الموعد المنتظر: ليلتا 17 و18 تموز 2013. سماء صافية تلفحها نسمات ربانية لطيفة، وبحر جبيل تتأجج امواجه ابتهاجاً بالابداع المنشود. حضر الجمهور الرحباني، كل في مكانه على المدرج، وحضر المعلمان من سمائهما، فكان طيف الاخوين رحباني يرفرف في كل مكان ويجعل من اللحظة لحظات، تكتب في سفر التاريخ والذكريات. كانت روحهما حاضرة، واهبة رونقاً للتفاصيل كلها وجعلتها مطبوعة برهبة العمالقة.

خشبة المسرح اشبه بالجنة، تعلوها الأوركسترا السمفونية الوطنية الاوكرانية بقيادة المايسترو المدهش فلاديمير سيرنكو مع عشرين منشداً، المؤلف الموسيقي المبدع اسامة الرحباني على البيانو، الكاتب والملحن الرائع غدي الرحباني باطلالاته المتعددة لالقاء اجمل الكلمات، وفيها حيا الرحباني عمودي المدرسة الرحبانية منصور وعاصي، والسيدة فيروز، وعنها قال الرحباني: "احيّي الصوت، لأنو الصوت يعني فيروز"، والقى مقتطفات شعرية متفرقة وأنهى اطلالاته باصراره على بقاء الرحابنة ولو اختلفت التوجهات الفنية، فالأساس – وهو الابداع – باق. وأكثر... ستة نجوم، اولاد المدرسة الرحبانية، ومن اجدر منهم لأداء اجمل الالحان واعمق الكلمات؟ هم هبة طوجي، غسان صليبا، رونزا، نادر خوري، ايلي خياط، وسيمون عبيد. وقد انشدوا انشاداً حيا اعظم المخلفات الرحبانية جاعلين الجمهور يصفق تارة ويرقص طوراً، في لحظات مملوءة بالنشوة والعذوبة. ساعتان مرتا كالحلم، والمدرّج يضج بالاصالة والحماسة، فطارت بنا اصوات سماوية الى الاعالي، وتنقلنا في المكتبة الرحبانية ما بين سفر برلك والمتنبي وآخر ايام سقراط والشخص وناس من ورق وجبران والنبي والمحطة وصيف 840 وبياع الخواتم وملوك الطوائف... اثنتان وثلاثون اغنية من مختلف المسرحيات بينها اغنيات منفردة، طبعت العقول والقلوب بالحب والثورة والوطنية والشعر والفن. وقد تميزت صاحبة الموهبة الفريدة، النجمة البراقة بابداعها وبتعبيرها الآخاذ، هبة طوجي، الساحرة بصوتها الملائكي الذي يجمع ما بين الرقة والصلابة (كما اصفه في كل مرة اكتب عنها). تراها ملكة على المسرح، تسرق الروح لتتلاعب بها كما تشاء، فتراك تذرف دمعة حيناً، وتصفق بحرارة حيناً آخر. لا تغني هبة، ما تقدمه ليس مجرد غناء، بل هي حالة متعددة الوجه، ممزوجة بالحنين والوجع والحماسة والفرح والمعاناة والاحلام... لا يمكنك ان "تستمع" اليها، فهي ترغمك على مشاركتها الاحاسيس بأسرها، وسرعان ما ترى الالحان تتنقل على وجهها وجسدها المفعمين بالتعابير، لتصل بتفاصيلها الى اعماقك آبية مفارقتها. مبهرة هي، وبأدائها الدراماتيكي تأخذك بعيداً، حيث يحلو البقاء والوجود، حيث "لا بداية ولا نهاية" للحياة، في وطن نشيده "كل يوم بقلك صباح الخير"، سكانه اناس طيبون، يعيشون فيه وهو "طاير ع جناح الطير". كلمات نوستالجية ترغمك على اقتناء الصمت والابحار بجمالها، وتسقط دموعك من دون استئذان... فتتذكر حينها أنك كما الكبير منصور، تبحث عن وطنك من دون انقطاع ولم تجده يوماً، فيعبر عنك قائلاً: "لا وطني برمت الدني وآلاف الساحات، والتقيت بأوطان بس ما التقيت فيك"...
ها هي اجواء الليلتين الرحبانيتين، دقائق مجبولة بالخيال، بالحلم، بالعظمة الرحبانية. لن ينسى رواد ذلك المسرح يوما "دبكة" اسامة الرحباني، هذا العبقري الذي تعجز الكلمات عن وصفه، فسأكتفي بتسميته "الانسان" لن ينسى الجمهور الوفي الكلمات كلها التي ألقيت على مسامع السماء، سماء الاخوين رحباني العظيمين. لن ننسى الالحان والتفاصيل كلها، لن ننسى الاصوات والنجوم... كانت ليلتين، وليتها الليالي كلها! شكراً للعائلة الرحبانية العريقة، فـ"الرحبانيون" كثر وسيبقون لكم اوفياء، لذا نسألكم الا تبخلوا علينا بالجمالات، فنحن عطاشى اليكم، وبغيركم ليس لنا ارتواء!

ريما البستاني، نهار الشباب، 8 آب 2013



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire